وأتنفَّسُ الحياة ~


العمل عن بعد.. مجدداً !


أهلاً!

في التدوينة السابقة كتبت عن تجربتي في العمل عن بعد بسبب ظروف الحجر المنزلي. كتبتها في عملي الأول والذي أمضيت فيه خمس سنين. الآن أنا في وظيفة أخرى وأعمل أيضاً عن بعد! yay!

العمل عن بعد لا يخلو من صعوبات حتى في ظل وضع قوانين محددة، مثل تحديد ساعات العمل، وآلية سير العمليات.. ورغم أن عملي الأول كان خالياً من الاجتماعات تماماً، لكنه كان يسير وفق رتم معين يفهمه جميع الموظفات، لعدة أسباب أولها وأهمها خبرتنا السابقة بالعمل ومعرفتنا الجيدة بآلية سيره، أيضاً معرفتنا ببعضنا والتي ولّدت بيننا التفاهم، بالإضافة إلى أن هذه المعرفة خففت من وطأة الشعور بالعزلة المكتبية والتعامل الآلي في الرسائل البريدية الجافة.

ثم قدّر الله وانتقلت إلى عملٍ آخر.
في هذا العمل الجديد لم يُحدّد لي ساعات عمل، ولا آلية سيره، ولم أعرف الفريق جيداً. لم تحدد لي قوانين المكتب، ولا سياسات العمل، ولا وسيلة معينة للتواصل، ولا أدري ممن يفترض أن أتلقى بعض المهمات أو أرسلها لمن.
ثم بعد أسابيع ساورني شعور أنني أعمل مثل الآلة: تُرسل لي مهام على البريد (أو الواتساب الذي لاحظت أنه وسيلة أكثر رسمية بالنسبة لهم من البريد!) وأعمل عليها وأرسلها!
هكذا..
وحتى أكون منصفة كنت أتلقى أحياناً كلمة (شكراً) أو (يعطيك العافية)
لكن في غالب المرات أرسل العمل ثم لا أدري هل تم الاستفادة منه أم ذهب للمحرقة، لا أتلقى أي رد. وبحكم عملي في مجال كتابة المحتوى كنت أتقصّى ذلك طالما أنني لم أتلقَّ ردة فعل ممن طلب العمل، فكنت أذهب للحسابات التي كُتب لها المحتوى وأنظر فيها هل تم استخدام ما زوّدتهم به؟ أم عدّلوا عليه؟ أم غيّروه؟

عمل أشبه بعمل الـ(فري لانسر) لكن للأسف لا يمكنني مناقشة العميل المباشر، ولا أن أحدد وقت التسليم المناسب لي.

بيئة العمل ما زالت ناشئة ومثل هذه الأخطاء غير المقصودة واردة، لكن أثرها السلبي يمتد لنفسية موظف جديد لم يفهم العمل جيداً.

كنت أفكر بطريقة عكسية، فيما لو كنت أنا الشخص المسؤول فكيف أجعل من بيئة العمل الافتراضية (ومن تعاملي أنا مع الموظف الجديد) داعماً إيجابياً له يشعر من خلالها بالانتماء والولاء.

فبالإضافة للأمور البدهية مثل تحديد ساعات العمل وقوانينه وسياسات الشركة، خرجت ببعض الأفكار:

أولاً: إفهام الموظف الجديد نمط العمل وآلية سيره:
كانت تمر علي أيام فيها ضغط شديد، وأيام أخرى هادئة لكن كنت أتوجّس من هدوئها هل يعقبه عاصفة أم لا؟ وأظل طيلة يومي متوترة (ربما سيكون من الجيد لو أنني كنت أبادر وأسأل: هل يوجد عمل مستعجل اليوم؟ لكن الجفاف في التواصل الذي تسوده الرسمية يجعلني أستثقل طرح سؤال مشروع كهذا!).
ربما كان من الأفضل أن يوضح لي النمط: بداية الشهر سيكون العمل روتيني، ثم في منتصف الشهر سنعمل على مشاريع داخلية، ثم في نهاية الشهر سيكون هناك ضغط لأننا سنتسلّم دفعة من العميل يلزمنا الانتهاء منها سريعاً قبل نهاية الشهر، وبداية كل أسبوع يوجد عدد من المهام المستعجلة التي ينبغي العمل عليها سريعاً). مثل هذا التمهيد سيجعلني أتقبل لفترات الضغط كوني قد هُيّئت لها.

ثانياً: التواصل الإنساني:
رسالة صباحية بداية الدوام من المسؤول المباشر والذي يسلمني المهام مثل: “صباح الخير نورة.. كيف حالك؟ أنا موجودة في حال احتجتِ أي شيء ” كانت ستزيل بعض المشاعر السلبية تجاه تلقي أي رسالة من هذا المرسِل، وتبعث فيّ شعوراً بالراحة؛ وأيضاً الاتصالات مهمة للموظف الجديد حتى يشعر بأنه اندمج مع المجموعة، أما في حالتي فكان التواصل الهاتفي شبه معدوم، والرسائل التي تصلني كانت جميعها من قبيل: ” صباح الخير نورة.. أحتاج كذا وكذا وكذا! ” (قيل لي مؤخراً أن العمل يبدأ من الساعة التاسعة صباحاً، وأبقى طيلة الوقت أنتظر، لكن لا يُرسل لي العمل مرفقاً بصباح الخير إلا في الساعة ١١:٤٠ ظهراً!).
العشوائية في أوقات الرسائل وجعلها متعلقة بالعمل فقط وفقط يزيد الشعور بأنني آلة، بالإضافة لشعور بعدم الراحة، فأنا يفترض أن أكون دائماً على أهبة الاستعداد وهاتفي في يدي حتى أرد سريعاً! وحتى إذا كنت أتناول غدائي فأنا أخشى من ورود رسالة عمل!

ثالثاً: التواصل الفعال لمناقشة الأفكار ومعرفة مستجدات العمل:
كما لمّحت في النقطة السابقة أن الاتصال الهاتفي مهم جداً ليس ليشعر الموظف الجديد بأنه مندمج مع المجموعة فقط، بل أيضاً لمعرفة المستجدات التي تخص العمل والتعرف على مهام بقية أعضاء الفريق، وكذلك لمناقشة الأفكار خصوصاً في المجالات الإبداعية مثل التصميم وكتابة المحتوى.
لم يكن عطائي جيداً في ظل الشعور بالعزلة، وفي آلية العمل بطريقة (خذ وهات) كان يسيطر علي الشعور بأن العمل يلزم الانتهاء منه وتسليمه فحسب. يموت الإبداع في هذه الحالة ويتجرد العطاء من الحس الذي اعتدت أن تخرج أعمالي به.
مرة أخرى أنا لستُ آلة، ولستُ قوقل، ولستُ قارئة أفكار، ولا أملك عصا سحرية أضرب بها مؤخرة رأسي فيلد أفكاراً خرافية!
يحتاج الموظف الجديد للتغذية الفكرية وأن يتشرّب أفكار المجموعة حتى يزداد تفاهمهم ويكونوا في نسقٍ واحد.

رابعاً: معرفة قدرات الفريق وتذليل الصعوبات التي يواجهها:
الفريق الجديد ليس بقوة الفريق ذي الخبرة.
والفريق الذي يعمل عن بعد ليس بتكامل الفريق الذي يعمل سوياً.
العمل عن بعد يضعف قدرات الفريق، والمسؤول الجيد يعي ذلك جيداً ويتدرج في تحميل الموظفين المسؤوليات وثقل المهام. من غير المنصف أن يُصدم الموظف الجديد بكمٍّ من المهام التي تتطلّب منه أداءً احترافياً وهو ما زال مستجداً، فكيف بذلك وهو يعمل عن بعد أيضاً!
وإذا كان لا بد من ذلك، فينبغي تقبل أن عمل الموظف في هذه المرحلة سيكون معرضاً لكثير من الملاحظات وفرص التحسين، وهنا ينبغي الأخذ بيده وتوجيهه ليرتقي بأعماله (ما نفع بيئة العمل إذا كانت تتطلب الكمال ولا تعطي الموظف تدريباً أو توجيهاً مناسباً

خامساً: مراعاة الظروف الفردية التي يحتّمها العمل عن بعد:
نعم نحن محكومون بساعات عمل محددة، لكن ليس الجميع يملك مكاتب خاصة مهيّأة للعمل وخوض الاجتماعات الافتراضية. بالنسبة لي فقد كان كابوساً أن يُطلب مني حضور اجتماع عبر زوم بعد العصر، لأن غرفتي مشتركة وهذا الوقت غير ملائم، ولا يمكنني الانتقال بسلاسة إلى مكان آخر، فكل غرف البيت صارت مشغولة في ظل العمل والدراسة عن بعد. إذا كانت المرونة مطلوبة من الفرد، فمن باب أولى أن تكون المرونة موجودة في بيئة العمل وهي ليست بالشيء الصعب.



ختاماً، نحن بشر نتعرض للتعب والإرهاق والمرض والجمود الذهني! الأعمال الإبداعية تتطلب وقتاً حتى تخرج. صحيح أن الإلهام يأتي سريعاً في بعض الأحيان لكن هذا لا يُبنى عليه الوقت المقدر في تسليم المهام.
وفي العمل عن بعد لا يُرى أنك في مكتبك الآن تعمل أو تفكر أو تبحث عن الإلهام. هم فقط ينتظرون متى تسلّم لهم العمل، ويظنون أنك نائم أو تلعب! يا للأسف!



* الصورة أعلى التدوينة لمكتبي المتواضع في المنزل 😇


2 تعليقان so far
أضف تعليق

جميل جميل جدا
أنا أشعر اني ممكن اكون كاتبة محتوى بس ماعرف من فين أبدأ قرأت الثريد في تويتر وقريت هذه التدوينة
رلما أراسلك لاحقا كزميلة مهنة 😅🤪🤪😙

تعليق بواسطة Sanabel

الله يسعدك.. بإذن الله 😍
شكراً لك على زيارة مدونتي وترك تعليق.. فعلاً أسعدني هذا 🤍

تعليق بواسطة روح




أضف تعليق