وأتنفَّسُ الحياة ~


من ذكريات الطنطاوي الجزء الثالث
فيفري 29, 2016, 8:18 م
Filed under: قراءة على السطح | الوسوم: , , ,

أهلاً.. مساء الخير (:

كانت الحسنة الوحيدة ربما في أن عملي يبعد 25 دقيقة تقريباً عن المنزل هو وجود فسحة من الوقت تمكنني من قراءة بعض الصفحات، وهذا في طريق الذهاب فقط، وإلا فإن طريق العودة لوحده سبب في الشعور بالصداع وأحياناً الغثيانقرأت بضعة كتب خلال العام الماضي، واليوم أنهيت كتاب الذكريات الجزء الثالث لعلي الطنطاوي رحمه اللهجاء هذا الكتاب أو مجموعة الكتب بعد إلحاح وذهاب وعودة في كل مرة إلى المكتبة والعودة بخفي حنين..

حتى كان رمضان 1434 هـ

ذكريات الطنطاوي

بداية الجزء الأول حتى منتصفه تقريباً كان مملاً بالنسبة لي، خوى هذا الجزء عدداً لا بأس به من أسماء الأعلام حد الملل وطغيان ذكر الأسماء على ذكر المواقف نفسها.

أما الجزء الثاني والثالث فهما أكثر إمتاعاً بالتأكيد.

وعن طريقتي في القراءة عموماً فقد تصالحت مع قلم الرصاص وصرت أضع إشارة على الأسطر التي تستوقفني، بالإضافة لتدوينها في مقدمة الكتاب مع رقم الصفحة حتى يسهل الرجوع إليها. وبما أنني انتهيت اليوم من قراءة الجزء الثالث (والذي أمضيت فيه سنة وربما تزيد) أحببت مشاركتكم بعض المقاطع التي دوّنتها. في أول مقالة من هذا الجزء ذكر الطنطاوي ما يشبّه به طريقته في الكتابة، فيقول:

وأنا لا أحفظ ما  أقرأ وأردّده بألفاظه، بل أدخله نفسي كما تدخل الموادّ الأوّلية المصنع وتخرج منه شيئاً آخر، هو منها ولكنه ليس ذاتها. وربما آخذ فكرة لغيري فأرويها منسوبة إليه، ولكن (مصنع ذهني) يعدّلها ويبدّلها أو ينقص منها، فيكون لي فيها مثل عمل شارح ديوان الشاعر يفسّر كلامه تفسيراً ما خطر له على بال.

ذكّرني هذا بفكرةٍ قد كتبتها سابقاً – ولا أدّعي الاحتكاك بالكاتب الكبير علي الطنطاوي 😀 – لكن حقاً كم هو جميل أن تقرأ لكاتب كبير فكرة تشابه فكرة خطرت ببالك فيما سبق.

قلت إن قراءة الكتب مثل المواد الأولية التي تدخل إلى مصنع عقلك، فإن كانت المواد – أعني الكتب – التي أدخلتها جيّدة، لكنها خرجت في واقع تفكيرك وأفعالك وحتى كتاباتك بصورة رديئة، فحتماً يوجد عطب في مصنعك/ عقلك.

.

ذكر الطنطاوي رحلته إلى مكة، ولماذا أُجّل السفر إليها عشرة أيام.. السبب المفاجئ هو:

…. ويسّر الله فسمَحت لي الوزارة بالسفر، وأعددت الجواز وكان أمر استخراجه سهلاً، وحُدّد موعد المسير، وكان بعد عشرة أيام. هل تدرون لماذا أجّلوه عشرة أيام؟ كان ذلك لسبب لا يخطر لكم على بال؛ هو أن تطول لحاهم ليذهبوا إلى مكة بلحى مُعفاة، لا بذقون محلوقة، لأنهم سمعوا أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تمسك من كان حليق الوجه! لهذا أعفوها، أو أعفاها أكثرهم. لا اتّباعاً لسنّة رسول الله فقط، بل لأنهم سمعوا أيضاً أن الرجل هناك بلحيته، فمن كان أطول لحية كان أعلى قدراً!

أترك لكم التعليق!

.

 .

وبعد عودتهم من مكة إلى دمشق جاءتهم الوفود للتهنئة، وكان يتحدث عن ضيق مساحة بيته مقارنة بعدد المهنئين، ولم يقف الأمر عندهم، بل جاءه سبعون أو أكثر من الفرسان على خيولهم! فماذا صنع؟

أين – ناشدتكم الله – أضع سبعين خيّالاً في دار لا تزيد مساحتها على مساحة إسطبل واحد لفرس واحد من هذه الخيول؟ فخرجت إليهم إلى شارع بغداد. وكان الجيران والأقرباء قد جاؤوا بقِدرٍ كبير عصروا فيه أرطالاً من الليمون البلدي وصنعوا شراباً، وجمعوا من بيوت الحارة كل ما عندهم من أكواب وصواني، وخرجَت الصواني عليها الأكواب تسقي الفرسان. وألقيت عليهم خطبة من الخطب التي كنت ألقيها في تلك الأيام، خُطَب حروفها من لهب النار وكلماتها من تيار الكهرباء، وهي مزدانة بألمع الصور، صور الجهاز الإسلامي من صدر تاريخنا الرائع الذي لم تملك أمة في الدنيا مثله، وكنت يومئذ أغلي بالحماسة وأتفجر بالشباب، كنت ابن سبع وعشرين سنة، لست الشيخ ابن السبع والسبعين الذي يكتب هذا الكلام.

وامتلؤوا حماسة، وتراءت لهم صور الأمجاد من تاريخنا الماجد. ثم قلت لهم وأنا أشير بيدي: إلى الأمام أيها الأبطال، إلى الأمام…. إلى المجد، إلى العلا، إلى الاستقلالوركضوا خيولَهم وأسرعوا يعدون بها. ومشوا إلى الأمام فما انتبهوا إلا وهم في القَصّاع حيث ينتهي شارع بغداد. ما دنوا من المجد ولكن ابتعدوا عن داري، لا بُخلاً ولا لؤماً، فما أنا بحمد الله من البخلاء ولا اللئام، ولكن الله لا يكلّف نفساً إلا وسعها، وثوب الولد الصغير مهما شددتَه لا يسع جسد المصارع الضخم، فكيف تتسع داري الصغيرة لهذا الجيش من الفرسان؟

 

من ذكريات الطنطاوي في رمضان يقول:

 

قالوا: جاء رمضان فلم نستطع الأكل بالنهار. أفتدرون ما الذي فهمته (سنة 1332) وأنا طفل من هذا الكلام؟ فهمت أن رمضان هذا مخيف يمنع الناس من الأكل، فلا يأكلون إلا ليلاً لئلا يراهم!

 

هذا الذي يصنعه أكثرنا في شهر الصيام، نريح المعدة من الفجر إلى المغرب، فإذا أذّن المغرب شمّرنا وهجمنا، نشرب ونشرب ونأكل ونأكل، نجمع الحارّ والبارد والحلو والحامض، وكل مشوي ومقلي ومسلوق، كمن يضع في الكيس بطيخاً، ثم يضع خلال حبات البطيخ تفاحاً، ثم يملأ ما بين التفاح لوزاً، ثم يفرغ على اللوز دقيقاً حتى لا يدع في الكيس ممراً يمرّ منه الهواء!

 

ولن أجدد المعركة التي كانت يوماً في دمشق، معركة بالألسن على المنابر وبالأقلام في الصحف وبالأيدي حيناً في المساجد! معركة التراويح: هل هي عشرون ركعة كما يصلّيها المسلمون من قديم الزمان، أم هي ثماني ركعات فقط كما صحّ في الحديث؟ ولقد كنت يومئذ قاضي دمشق وخطيب مسجد جامعتها، فقلت للناس: إن الله لم يوجب التراويح، ومن صلاها عشرين فما أساء ولا ارتكب محرّماً ولا حمل إثماً، إنما يجترح الإثم من يفرّق جماعة المسلمين بلا سبب ويشغلهم عن معركتهم الأصلية، معركة الكفر والإيمان، بمعارك جانبية ما لها لزوم، يفلّ بها بأسهم ويُذهِب بها ريحَهم، ولا يصنع هذا إلا عدوّ للإسلام متعمّد الضرر أو ساذج قصير النظر..

.

 .

يتكلم الطنطاوي عن ذكرياته في الرياضة فيقول:

كنت من صغري بالغ الحرص على كرامتي أضنّ بها أن أفتح لأحد باب المساس بها، فكنت أخاف إن أدّيت الحركة المطلوبة أن أسيء فيها فيسخروا مني، لهذا لم أكُن أعملها، ولكني كنت أراقب وأدقّق، فإذا انتهت الساعة وخرج الطلاب رجعت وحدي إلى الملعب فجربت أداء الحركات كلها.

ويقول إنه جمع كتباً في الرياضة وكان يطبق ما جاء فيها دون علم أستاذه، ولم يزل محافظاً على الرياضة حتى جاوز الأربعين، وكان هذا سبباً في مرونة جسده ولياقته وهو في هذا العمر مقارنة مع أقرانه – حتى من الذين تفوقوا في حصة الرياضة آنذاك -.

ولحديث الرياضة وقصّتي معها بقايا وبقايا، ولولا أني تركت التمرين من نحو سبع سنين لما شخت؛ فلقد كنت أتدرب على الأثقال، وعلى كيس الملاكمة، وعلى السندو، وعلى الدولاب الذي لم تُخترَع أداة رياضية أخفّ منه حملاً ولا أعظم فائدة للبطن ولا أسهل استعمالاً.

المهم أنني أريد الالتزام بحصة رياضة 😦

.

التصوير والأدب لغتان تعبّران عن الحقيقة الواحدة؛ إن الطبيعة أبرع في الألوان ولكنّ الفن البشري أبرع في الأصوات.

🙂

 

كنت معجباً أشدّ الإعجاب بالرافعي، ولكن تبدّل نظري إليه وحكمي عليه، وخير ما كتب (تحت راية القرآن) و (وحي القلم)، أما ما يسمّيه فلسفة الحب والجمال في مثل (رسائل الأحزان) و (السحاب الأحمر) و (أوراق الورد) فأشهد أن شيء لا يُطاق، يتعب فيه القارئ مثل تعب الكاتب ثم لا يخرج منه بطائل.

بالنسبة لي لم أقرأ غير كتاب (أوراق الورد) وأتفق مع الطنطاوي في وجهة نظره عنه، وأتعجّب ممن يرى هذا الكتاب أعجوبة في الفلسفة والجمال!

.

 .

وجدت طرق الحياة كلها عوجاء ملتوية، فمن لم يَدُرْ معها مات في مكانه.

وكنت في حرب مع الحياة لأن لها (علوماً) غير هذه العلوم التي تعلّمناها في المدارس وحسبناها كلّ شيء، فمن علومها علم النفاق، وعلم الكذب، وعلم الرياء… فمن جهل علومها لم تنفعه فيها علوم الكتب ولو أحاط بها وكان قطبها وإمامها.

كما قلت سابقاً إني قرأت الكتاب كله أو معظمه في طريق ذهابي للعمل صباحاً.. هذا المقطع بالذات قرأته في أحد الأيام التي شعرت فيها أن الدنيا أضيق علي من خرم الإبرة بسبب شعور تولّد عندي سببه الخبث والكيد وما يكون من وسائلهما كالكذب والرياء.

فهمت أن الحياة ملتوية وينبغي الدوران معها، لكني حتى الآن لا أطيق تطبيق هذه الفكرة :(.

.

.

لعلي أكتب في التدوينة القادمة ما بقي من الكتاب ^_^

 


اكتب تعليقُا so far
أضف تعليق



أضف تعليق